صناعة ألعاب الفيديو تعتبر إحدى أنجح الصناعات الترفيهية، لكن عند مقارنتها مع بقية الصناعات الترفيهية نجد أن إصداراتها أكثر تباعداً ، فعلى سبيل المثال يقتصر متوسط فترة إنتاج الأفلام على سنتين تقريباً.

وهنا نطرح سؤالنا: لماذا لا ينطبق متوسط السنتين على الألعاب؟ مع ملاحظة أن أغلب الألعاب الكبرى الصادرة في التسعينات الميلادية كانت تستغرق سنة أو أقل في التطوير خلافاً لما نراه في السنوات الأخيرة حيث أصبحنا نتعجب من الأستديوهات التي تستطيع إنتاج AAA خلال ثلاث سنوات فقط.

هنا يأتي دوري بالتحدث عن هذه المعضلة -والتي قد لا أستطيع الإلمام بجميع جوانبها- ومحاولة ذكر أبرز أسبابها:

1/ النقلة الرسومية

لا جدال في القفزة التقنية التي سمحت للمطورين بفرد عضلاتهم في رسومات ألعابهم وأقرب مثال هو Arma 3 التي يستخدمها بعض المؤثرين -أياً كان هدفهم- في مواقع التواصل الاجتماعي لخداع الآخرين كي يظنوا أنها مناظر حقيقية، وقد نجح أولئك المؤثرين بشكل لا غبار عليه في نشرهم للمحتوى الزائف، حيث أن الكثير أصبح لا يستطيع التمييز بين الصورة المأخوذة على أرض الواقع وبين رسومات الألعاب.

يمكننا القول بأن غالبية جمهور الألعاب التقليدي يهتم بجودة الرسومات الواقعية، لكن هناك أيضاً تيار معاكس برز بشدة في هذه الفترة الزمنية منادياً بأن الاهتمام المبالغ فيه بهذه الرسوميات جعل الألعاب تستغرق سنوات أطول في عملية تطويرها، ناهيك عن كونه مضيعة للموارد وليس الوقت فقط.

2/ النطاقات الشاسعة

أصبح النطاق الذي تستهدفه الألعاب القائدة للصناعة مذهلاً، حيث أصبحت غالبية ألعاب الـ AAA -مثالاً وليس حصراً- تحاول محاكاة الحياة الواقعية بإضافة مساحات ضخمة ونشاطات متنوعة لملاحقة ركب الألعاب الأخرى التي تتنافس في سعة مساحاتها وتنوع أعدائها ونشاطاتهم.

وكمواجهة للتحديات، رأينا موجة من المطورين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي بشكل مكثّف لجعل عوالم ألعابهم أكثر حيوية. بعضهم لجأ إلى الذكاء الاصطناعي لبرمجة تصرفات الـ NPCs وحوارتهم وتفاعلاتهم، بينما وصل الأمر إلى رؤيتنا لعوالم وشخصيات مبنية بالكامل على أيدي الذكاء الاصطناعي، مثل Ememe.

3/ التحديات البرمجية

صنعك لعالم أضخم يعني متاعب برمجية تستغرق وقتك، حيث أن البرمجة عملية تنسيقية بين المبرمجين في الفريق أكثر من كونها فردية، فبرمجتك لمنطق عدو يعني أن عليك أن تنسق تصرفاته مع تصرفات العدو الآخر سواءً كنت لوحدك أو كانت مهمة برمجة الزميل الآخر موكّلة لشخص آخر في الفريق.

يجدر بنا أن نذكر أن التحدي البرمجي لا يكمن في القيام بكتابة الأكواد بل حتى مراجعتها بأكملها وإصلاح أخطائها والذي يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً -أتحدث عن تجربة- مما يضيف المزيد من التحدي على المبرمجين.

4/ التقنيات الجديدة

أصبح المطوّر يطارد مستجدات الصناعة التي لا يتوانى التقدّم التقني في استحداثها، فأصبح بعضها هدراً للموارد.

دقة الـ hitbox، بُعد نظر الـ fidelity، دورات المساء والنهار، تفاعل المطر والثلج والنار وبقية العناصر مع البيئة، وتطول القائمة.

قد لا تكون جميعها تقنيات حديثة لكنها أصبحت مطلباً جماهيرياً مما يؤثر على القرارات المتّخذة أثناء عملية تطوير الكثير من الألعاب ذات التكلفة العالية.

5/ إدارة الموارد

عندما تحاول صنع لعبة بمحتوى فريد، فهذا يعني حاجتك لعدد مطورين أكبر وإدارة متمكّنة وإلا تعرقلت عملية التطوير واستغرقت سنيناً أطول وقد تمتد العواقب -في أسوأ الأحوال- بدخول اللعبة في جحيم التطوير.

ولجعل المحتوى أكثر غزارة فعلى المطوّر أن يقوم بمزيد من التخطيط مما يعني المزيد من الوقت، ناهيك عن الحاجة للمراجعات والاختبارات، فاختبار لعبة خطية مدتها 10 ساعات لا يتقارن مع اختبار لعبة عالم مفتوح متشعبة المسارات مدتها تتجاوز المئة ساعة.

أتمنى أني تمكنت من إيصال أفكاري بشكل مناسب ولم تتسبب محاولتي لاختصار المقالة بجعلها غير مرتبة أو صعبة الفهم.

شكراً لكم على وقتكم.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *